الخميس، 27 سبتمبر 2007

لوحة وقراءة

"معتمون من الخارج، شديدو النصوع من الداخل."





التوغلّ في الطبيعة البشرية ، الغارقة في الروحانية هي السمة المشتركة لكل لوحات الأمريكي الأفريقي الأصل ، هنري تانر . الرسام المشحون بمعاناة السود في أمريكا ، والناشئ في حضن أحد الأساقفة في القرن التاسع عشر في بنسلفانيا ، أخذ على عاتقة مهمة تبديل الصورة الهمجية الشائعة عن الأفارقة الأمريكيين بكل ذكاء وحرفية .


في لوحة THE BANJO LESSON المستوحاة من قصيدة للشاعر بول دونبار كانت رسالته واضحة ودقيقة جداً . ابتعد تانر عن تقديم النموذج النمطي في تصوير السود بحالة بائسة تستدر الشفقة ، أو بصورة ساذجة سطحية .. لوحته التعبيرية تلك تضمنت رجلاً يعلّم حفيده الصغير العزف على آلة البانجو . لم يكن اختيار البانجو - الألة الأفريقية الأصل - عشوائياً ، فقد أراد لفت النظر إلى رهافة الحس التي يملكها السود وذائقتهم الموسيقية الفريدة . كل ما في خلفية اللوحة يحمل دلالة رمزية تدعم الفكرة المعنوية لها . الأواني البراقة والمفرش النظيف ، العتمة التي تزداد عند طرف اللوحة السفلي -والذي يمثل المدخل للمنظور بشكل عام - توحي إلى أن كل السود بفطرتهم ، معتمون من الخارج ، شديدو النصوع من الداخل . الزرقة الحانية التي تتوازى مع الضوء في عمق اللوحة ، تؤكد ارتباط هذا الشعب المقتلع من موطنه باللون الأزرق الشاحب الحزين ، واستلهامهم موسيقى البلوز منه .


في قلب اللوحة يجلس الجد محتضناً البانجو وحفيده الصغير بإباء غير مصطنع . تستشعر الجدية والحنان في الطريقة التي يمسك بها الجد آلة البانجو ، وتستشف من استرخائه غير المتهدّل صبره وأناته . يمرّر إلى الصغير الكثير من القيم الإنسانية النبيلة ، لذا يمسك الصغير بالبانجو بتركيز وتصميم ، وتمتزج نظرته لها بالاحترام . يعزز هذا المشهد أيضاً فكرة الأب المعلم الذي يحرص على تمرير ما لديه من خبرات ومعارف إلى أجياله وتأصيل القيم العائلية فيهم .


لا ترتكز تلك اللوحة على ناحية جمالية فنية فقط ، بل تمتدّ قيمتها إلى الغوص في أعماق البشر ليظهر جوهرهم الحقيقي بعيداً عن وجودهم المادي البحت ، وهذا ما تعتمده المدرسة التعبيرية الفنية لكن على مستوىً أكثر شمولية .


ليس غريباً أن تكون تلك اللوحة مفترقاً في تاريخ الفن التشكيلي للأفارقة الأمريكيين ومصدر فخرهم واعتزازهم ، وأن يكون تانر أول رسام من أصول أفريقية يشتهر عالمياً .

هناك 10 تعليقات:

  1. لأنه من الواجب ان اترك اثراً في بيت كاريزما عندما اعبر فكان هذا :)
    منزل مبارك يا كاريزما ..

    ردحذف
  2. يبارك بعمرك ..
    وبالـ (ضو) الذي ( ضاء )بقدومك ..

    ردحذف
  3. إسم على مسمى يا كاريزما، كل شيء فيك جذاب .
    تحيه،

    ردحذف
  4. محمد عبدالله16 أكتوبر 2007 في 10:04 م

    انتظرت هذه الخطوة المباركة كثيرا
    انت مبدعة يا سيدتي
    اياك والركود

    ردحذف
  5. العنوان رائع ما اللوحة
    هذا الموضوع مفيد جدا وأثر بتفكيري عن قراءة اللوحات !

    لكن عندي ملاحظة عامة ما اشوف ان في الموقع تصميم
    معلى ايش يعني جهة مصممة !
    انت فنانة أكبر من هذا التصميم العادي

    ردحذف
  6. واحد ،
    تحية لك أرقُّ وأجمل .
    شكراً لزيارتك ..

    ردحذف
  7. محمد عبدالله ،
    آمل أن لا تكون المدونة أقلّ مما انتظرتَه .
    سأحرص على أن لا تجفَ الحروف هنا ..

    أطيب تحية ..

    ردحذف
  8. صاحب المزاج ( الزفت ) ، ربما ..
    جيد إن استطعت أن أترك أثراً إيجابياً عليك ..
    أما التصميم ، فأحببته لبساطته ..
    ربما يكون هناك المزيد من التطورات مستقبلاً ..

    شكراً لحضورك .

    ردحذف
  9. باء.. بارعة..
    شين.. شاهقة..
    عين.. عميقة..

    كل ذلك أنتِ..
    بارعة الحرف شاهقه.. عميقة المعاني سيدتها..
    لكِ مني قبلة من عروج بقدر جمال الحروف..

    نايثن

    ردحذف
  10. يالله !!

    كيف يمكن بعد هذا الكلام أن أسير على الأرض !!
    ممتنة كثيراً ، كثيراً يا نايثن .

    ردحذف