الخميس، 27 سبتمبر 2007

النفق لإرنستو ساباتو


" سـأكتفي بالقول إني [خوان بابــــلو كاستيل]، الرسام الذي قـتـــل [ماريا إيريــــبارني ]. "


بدأت المساومة بيني وبين كاستيل منذ أول صفحة في الرواية ، تحصّـنتُ بما لدي من تنـظـيم فكري ، واستعان بما لديه من عبث ، وأبى أن يخـضع أحدنا للآخر ..


في سنة 1946 ، وفي قاعة الربيع ، عرض كاستيل لوحة أمـومـة ، التي يبدو في أعلاها من جهة اليسار ، وعبر نافذة صغـيرة ، شاطئ منــعزل وامرأة تنظر إلى البحر كأنها تنـتظر شيئاً ما . منظر يوحي بوحدة قـلقــة ومطـلـقة كما عبّر عنها كاستيل بنـفسه . كاد أن يفكـك تلاحم دفاعـاتي عندما قرأتُ مفـردة الوحـدة ، وعندما ضخمّت صفة الغـربة الروحية ، وأصابت الرحمة ذهـني بالخدر .
وازداد خدري الذهــني توسّعاً عندما كان الرواد ينـظرون إلى المنظر عبر النافـذة كأنهم أمام شيء ثانوي ، أو زخرفي ، باستـثناء شخص واحد ، فـتـاة مجهولة استغـرقها تأمل النافــذة وقتاً طويلاً صرفها عن العالم بأسره : ماريــا
ظل هذا الرسام يسلسل تأويلاته المربكة صفحة بعد صفحة ، مهمّــشاً حضوري كقارئة نموذجـية ، ومـغلـقاً جميع المنـافذ أمام أي تفاعل طبيعي متبادل . يفعــل كما فعل الحكيم* في القـصة الـشـرقية الشائعة، عندما سئل عن معنى الحياة، أجاب:الحياة نافـورة . ولما سئل من جديد: ولماذا هي نافورة ؟ ، رد قــائلا: وإن شئت، فهي ليست نافورة ، يتركك في يقـين ملـفوفٍ بالشكّ .
كل نصٍ قابل للعـــطب ، ولحظة العطب هي التي تمنحـنا حصـتنا في التفكير . حصتنا في أن نقول للنص ، كما قـال لنا . انتهت الرواية وأنا انتظر اللحظة التي أتمكن فيها تشـذير النص ، وتـمزيق تلك الكينونة المشوهة ، و المتشكلة من تعامدات خطوط كاستيل الأفـقـية والتي يقـتحم فيها بكل تصمــيم رؤيــتي المنـطقـية ، وخـطوط رفضي العمـودية لطبيعته المصابة بخـللٍ في عمـلية التواصل مع البشر ، خصوصاً مع المخلوقـة الوحيدة التي فهمتْ رسومه ..


يقول هنري جيمس : كل مُــــؤلِّـف يمكن أن يبتكر قارئه بنفس الطريقة التي يبــتكر بها شخصياته ، و إرنســـتو سـابــاتو كتب روايته " النــفــق " بنيـّة مسـبقـــة لقـارئ مفـترض ، وكنتُ القــارئ الـذي خطط إرنســتو لإربـاكه ..


* ذكرها حسين نجمي في مقال له

هناك 4 تعليقات:

  1. من رواياتي المفضّلة.
    ماذا يعني هذا؟

    ردحذف
  2. يعني أننا التقينا في أكثر من مكان سابقاً دون أن ندرك .

    :)

    ردحذف
  3. ههههههههههه، كيف عرفتي.

    تعرفي أني إنليل من الجسد ؟


    حدسك مدهش : )

    ردحذف
  4. إنليل ؟؟ خالق بياتريس ؟
    شعرت أنّي أعرفك ، لكني لم أتوقع أن يكون هذا الشعور حقيقي جداً ..
    لماذا هذا الغياب المقلق ؟
    نبحث عنك ولا أثر .. ولا خبر .

    ردحذف