الخميس، 4 ديسمبر 2008

بين مزدوجين



رؤياي التي كانت على رجِل نسرٍ فحدّثتُ بها ، وقعتْ


التمعتْ في عينيه حرقةٌ آيـلةٍ للسقوط ، فطار
يخيط السماء بالأرض ، عروجاً إلى الحلم كما يفعل المتولّهون ..
موئلي الذي كان ،
كم رغبة اختنقت بين مزدوجي الشوق والتوق ؟
وكم حملتُ بأصغري المستريب لهفتي ومضيت ؟
أيتها النفس الأمّارة بالعشق ، استـكيني .


------------


- لو أن الأرض في هذه اللحظة تغيـّـبني ،
كـ آهة لا يناسبها حجم فمي ، فتفرّ إلى الداخل ،
كـ بحرٍ يملّ من دلق خليجه ، ويقرر ابتلاعه ..


-----------


فرحٌ يسطع بـرقــُه في العين دون أن تدمع ،
وأكثر من ألف كلمة نديّة ترتفع إلى السماء ..


----------


أيــن أنـتِ ؟


في مدينةٍ إن سلّمت عليها ، ردّت بـــــ وعليكم الحجاب ..


----------







المرأة التي لا ترسم دائرة متعة إلا إذا انفرج ساقاها كفرجار ..


------------


تأكّـد أنّه عندما احتمل التصاق لبان موفور اللزوجة في حذائي وأنا متجهة إلى سهرة أنيقة ، وانسكاب ماء الزبادي الذي فتحته بحماس بالغ على ملابسي ،
وانتظار دوري في صالة انتظار نسائية ، مع قناعتي بفكرة أن الهواء الذي أتنفسه قد خرج من أنف الطفلة التي سال مخاطها ، أو من رئة العجوز التي تسعل بلا توقف ، أو من فم الخادمة
السيرلانكية التي تمسح لعابها الفائض باستمرار ..


تأكّد أنّي بخير ، بخير كثير .. عندما احتمل كل ذلك دون أن ينفد صبري ..


-------------


غربة خاطفة ،

غربة من يتحسّس بلسانه مكان ضرس مخلوع للتوّ .


غربة من لم يظهر في صوره القديمة ، لأنه انشغل بتوثيق لحظاتهم المارقة .



-----------


لماذا لم أكتب حتّى الآن عن انتقالي الأخير ؟
* لأن الفسيلة التي قطعت وغرست في مدينة شمالية ، عادت نخلة .
* لأني طين خشيتْ عليه المدينة الشمالية من البلل .. ، فامتنع المطر .
* لأن الصغير الذي كانت صورته الطريّة العمر والباسمة خلفية للجوّال ، صار نتناً وبشعر له رائحة الريش المبلول بلا تهوية .
* لأن المدينة المحجّبة قسراً تسعل منذ أسابيع .


-------------


لم يعد هناك رغبّة ملحّة لأي شيء .


أقف بانتظار أن تحرثني أقدام الرغبات العارية بأمشاط أصابعها .

الخميس، 16 أكتوبر 2008

شوط خاص ..

دسّت خمسين ريالاً في حقيبتها الفضيّة اللامعة – والتي تتماشى مع أغلب فساتينها اللاميه في ذلك الوقت – لتُسقط ما برأسها من هوى وخرجت . في وسط قصر أفراح " المحبّة " تربّعت "أم بريه "، وعن يمينها ويسارها بقية "الطقّاقات " بدفوفهن الستّة ، والدافور المشتعل .. نورة بقصة فستانها ذيل السمكة تقف وراء آخر حلقة رؤوس تحيط بدائرة الرقص الضيّقة . بدأت باختراق الحلقات المتراصّة بهدوء وتمهّل لتحجز دوراً في الرقص . أنهت "الطقاقات " تلك الوصلة الغنائية فجأة ، وتوقف ضرب الدفوف وأيدي الفتاتين الراقصتين معلّقتين في الهواء . ترتخي الأيدي المعلّقة بخيبة ، وتسرع نورة لتمدّ الورقة النقدية التي تحمل الوعد بالمتعة إلى " أم بريه " وهي تقول بنبرة استفهامية : ما معاكم خبر زين !! .. يهتزّ الوجه الممهور بالكثير من اللامبالاة بالموافقة وهي تضع الخمسين في محفظة صغيرة ، وتخبئها تحت فخذها الثقيل .. تتوسط نورة الدائرة وحيدة إلا من كبرياءٍ اشترته بمالها .. ويبدأ ضرب الدفوف بــ " دوم تك .. دوم تك " سريعة من ثلاثة دفوف ، ويدخل عليها نغم متتابع " دوم دوم دوم تك .. دوم دوم دوم تك " من الدفوف الباقية .. ترقص نورة ، ويرقص معها ذيل السمكة ، والحقيبة الفضيّة ، وأعوامها العشرين ..


ترقص وصوت "صقع الدفّ " الذي ينمّ عن إعجابٍ بجموحها ، يزيدها استعاراً ..


ترقص وترقص ..،  حتّى تنهي خمسونٌ أخرى وقت متعتها ..


كانت تلك رقصتها الأخيرة قبل أن يمنعها زوجها المتزمت عن حضور الأعراس . غابت طويلاً حتّى ماتت السمكة من العطش وتيبّس ذيلها ، وبهت لمعان الفضّة في فساتينها وحقيبتها ..


البارحة اختلط الحابل بالنابل في حفل زفاف ابنة الجيران في أول تحرر لنورة من (لا ) الزوج القاطعة . رقصت عشرات الفتيات دفعة واحدة على دكّة مرتفعة ينتظم عليها صفّ طويل لفرقةٍ شبابية الروح والطرب، وآلاتٍ موسيقية تراها لأول مرّة . كل ما تمتمت به منذ دخولها صالة الفندق كان " الله يتمم عليكم بخير " .. وبعدها جلست حول طاولة مزينة بالشموع والورد ، وموج راقص من الفتيات سرق دهشتها طوال السهرة . سحبتها الجارة لترقص لمّا رأت تمايلها الخفيف غير الواعي مع صوت " مشاعل " المبحوح بدفء .


اعترضت نورة : ترى ما أعرف أرقص إلا لحالي !!


-  بس هذا يبي له شوط خاص ، والأشواط الخاصة لأهل العرس بس .


- جايبة خمسيني معي ..


وقتلت الرقصة التي سكنت خصر نورة حين قالت :


-  خمسين ؟؟ ترانا جايبين مشاعل بـ 30 ألف . وش بتسوي خمسينك !!

الأربعاء، 16 يوليو 2008

رَيْــب

أثار دخوله العاصف إلى حياتها رهجاً لم يسكن . لم يكن الحديث معه شيئاً يشبه إلصاق طرفي شريط الكاسيت المقطوع بـ (المناكير) ، أو التعليقات اللاذعة التي ظلت تحملها على جبيرة ذراعها المشعور شهراً ونصف ، أو الكتابة في (أوتوجرافات) طالبات ثالث متوسط في نهاية العام . بل كان متعة غامرة يصعب الانفلات منها .
وعذوبة ابتسامته لم تكن خفيفة النكهة كابتسامات الأتراك الذين سارت بينهم بالأمس من شارع الاستقلال إلى ميدان تقسيم ..
صعد بها شوقها إلى الطابق الثاني . عدلت زينتها في مرآة المصعد الكبيرة وابتسمت برضا . خرجت من المصعد وخطت باتجاه غرفة في نهاية الممر وطرقت بابها بخفّة . فتح لها الباب نصف فتحة ووقف خلفه مطلاً برأسه الذي يعلو قامتها . همس لها بـ مرحبا مرتخية النبرات ، وأشار لها بيده اليمنى للدخول . في جزء من الثانية نزل بصرها من وجهه إلى المستطيل الضيق الذي يسمح لها الباب الموارب بمشاهدته من الغرفة .
تبعثرت أغراضه بفوضوية على تسريحة خشبية داكنة لصيقة بالجدار . تأملتها لبرهة قصيرة وفجأة تضببت عيناها ، وزاغت نظراتها . صارت فرشاة الشعر المقلوبة على ظهرها ، وأعواد الأذان المنثورة على تسريحته شيئاً واحداً بنتوءات مكوّرة الرأس، وصارت خيوط الشمس عبر النافذة نصف المفتوحة بجانب التسريحة ، أعواداً من القشّ تناثرت في الغرفة ..
كل ذلك رأته في لحظة . اللحظة التي فزعت من الدخول معها إلى الغرفة المسكونة بالرغبة. اللحظة التي أثقل جرأتها قلقٌ متكوّر ، اللحظة التي جعلتها تستدير دون أن تنظر إلى عينيه اللتين كانتا تتبعان نظراتها المتلصصة وتعود بأنفاس لاهثة إلى الغرفة 101 .
.


الجمعة، 27 يونيو 2008

سماءٌ خفيضة ..


يالهذا اليــــوم !كان الصمت كثيفاً يشي بكل الأنفاس التي راودته عن سكوته طوال النهار .
وكان السحاب شفيفاً لم يختمر .
وكان الهتّان بائساً كرذاذ عطسة مباغتة .
وكانت الريح موجوعة لم تقوَ على مشاغبة سدائل الستارة .


صعدتُ إلى فضاء خيالي لأهرب إلى الوجوه التي أفتقدها . اجتمعت عيونهم وشكّلت خرزتين عظيمتين باهتتين ، وفمّ مرتخٍ خاطته الخيبة .


---------------------------


وشايـــــــــــــــــة





همسٌ لم يبلغ حدَ الكلام ، متناثرٌ خلف الأبواب المواربة ..
وشايةٌ ثقبت السماء ، وومضَ شهابُ نجمة سقطت من عليائها ..
عن الفتاة التي استدارت أشياؤها منذ زمن بعيد .
عن الفتاة التي انفرطت رمانة روحها مرّات ومرّات .
عن الفتاة التي استعاذت برب القلق .
عن الفتاة التي عبرت بخفّة وأثارت رهجاً سرعان ما سيسكن .


سأرشّ الملح على ميسم الغياب ..
وأفتق رتق الكلام :
ليس بعد اليوم من إيــاب  ..
بَـددْ ... بَـددْ


-------------------


أيّها الصاعد ،انتبه ! .. في عينك حرقة آيلة للسقوط ..


________________________


القلق الناضج جداً


الخيوط المنسولة من " شماغ " رجل خمسيني يحمل في جيبه مفتاحين فقط .
عباءة زوجته المقلوبة .
" طفّاية " ابنه المتخمة بأعقاب السجائر .
طلاء الأظافر المقشور على أطراف أنامل ابنته .
نظرات طفلته المعلّقة بالنوافذ والأبواب .


القلق الناضج جداً ..


.


انصاتٌ لذاك الحفيف ، الحديث .

الماضون في خضرتهم على ساقٍ واحدة ،
الصاعدون إلى الله بذرةً بذرة .




إلى الشجرة في أقصى اليسار ،
أنا امرأة بساق واحدة .
في كل مرّة تقرر فيها الدنيا تسوية أمرٍ ما معي ، تلجأ إلى كسر إحدى ساقيّ ، وفي كل مرّة ، أنجح بالوقوف على الأخرى .. وبلا عكّاز .
أستطيع غرس ساقي السليمة في مساحة خلفية والثبات مثلكنّ تماماً .


.

الاثنين، 19 مايو 2008

18 May







صلصالي الذي لهث طويلاً أتكأ على كتف 18 مايو ليستريح .


وبهمسٍ لم يبلغ حدّ الكلام ، رجا القمر المتعلّق بأطراف السعف أن يرتـفِـع ..


والمارّين سريعاً تحملهم رياح العمر ، أن يتئدوا.


افعلوا .. فما أحببتُ الآفلين يوماً.

الأربعاء، 7 مايو 2008


[ عن النفس الكبيرة : هناك رفقٌ مفرط يبدو كأنه خبث ]
* نيتشه



حينما يكون الوقت كـ شجرة مهذبة لا تنزع نسيج الأكمام ..
كـ ابتسامة فضفاضة ..
كـ إضاءة رخوة ..


أدركُ أن شيئاً ليس على ما يرام !


---------------


أشتاق أن تغمض روحي قليلاً ، وتهبط عتمة هادئة على دواخلي فأنام . أنام .. هكذا بكل بساطة . أن يتسامح جسدي مع عدم الراحة ، ويتخلّى عن أفكاره الصارمة حول المكان .
أن أغفو على لوحة المفاتيح ..
أن أغفو وأنا أتفرج على التلفاز ..
أن أغفو بحذائي ..
أن أغفو على مكتبي ..
أن أغفو ويسقط الكتاب من يدي ..

الخميس، 13 مارس 2008

نافذة معتمة



جلستْ على عجل ، وزينتها المرتبكة تدل على أنها لم تنظر لنفسها مرتين في المرآة قبل خروجها . لم تنتظر ترحيبي بها وبادرتْ بالحديث :
تدرك لمَ اتصلتُ بك .. حالته تسوء كثيراً ..
لم يغادر غرفة نومنا منذ أيام . الغرفة دائماً معتمة لولا ذلك اللوح الدقيق من النور الممتد عبر انفراج بسيط بين قطعتي الستارة، والأبواب دائماً مغلقة في وجه الهواء الوقح الذي يخنقه حسب تعبيره ..
تتساقط الأيام تباعاً من الرزنامة ولا ينتبه لها . مؤخراً انقطع عن العمل ، وعندما عاتبته بشدّة قال :
أخرج مبكراً ويخرج الناس لأعمالهم ، لمدارسهم ، لمواعيدهم ولا يأتي الصباح . أبقى هناك حتّى يعودوا ، ولا يأتي الصباح .. لم يعد يأتي الصباح يا سمر.. لم يعد يأتي الصباح ..
في آخر مرّة خرجنا معاً تعلّقت عيناه بالنوافذ . اصطدم بالناس أكثر من مرة دون أن يخفض بصره ... وعندما أجبرته على الجلوس والنظر إلي ضحك بعصبية وهو يقول : عندما تفيض البيوت بالحكايات فإنها تتدلى من النوافذ .. النوافذ عيون يا سمر ، النوافذ عيون ..
وبعدها رفض الخروج تماماً . صار يكره القصص المجانية التي يرويها المتسكعون في الشوارع ، ولا تبهره العروض العلنية كما فهمت منه .
يختبئ عن الناس وعنّي . يتعرّى ويندس تحت اللحاف ليكون جسده خالصاً من كل ذكرى كما يعتقد . وعندما حاولتٌ أن أجبره على ارتداء بيجامته ذات يوم ، صرخ بي :
انظري إلى بنطالكِ .. إلى ذلك البروز الدائري في ساقه ... إنه يخبر العالم كلّه أنكِ تثنين ركبتكِ اليمنى بطريقة حادة عندما تجلسين . تثنينها وتجلسين عليها . الملابس فاضحة يا سمر ، الملابس فاضحة ..
هل تدري ماذا يفعل في هذه اللحظة ؟
عدتُ من العمل ووجدته عارياً في الحمام وقدّ رشّ حاوية القمامة الإستيل بالماء وجلس أمامها بصمت ينتظر جفافها . وعندما سألته عن الذي يفعله نظر إليّ بحزن وقال :
لمَ غسلتِ حاوية القمامة ؟؟ كان على غطائها البارحة وجه مألوفٌ تحدّثت إليه طويلاً واستمع لي بهدوء ..
لم يبتعد عن حاوية القمامة لساعات بانتظار ذلك الوجه الذي يعرفه ..


.

الخميس، 6 مارس 2008

عفنٌ مذهّـب ..



في ظهيرة أنعشها الدفء على غير العادة ملأتْ جيوب الوقت بالكلام . تحدّثتْ مطوّلاً عن منزلها الجديد بتصميمه المدهش ، وتكامله الفريد


كان كل ما فيها يتحدّث . البريق في زوايا عينيها ، فتحتا أنفها المتسعتان بانفعال ، سبّابتاها اللتان رسمتا تخطيطاً وهمياً متداخلاً للحجرات والنوافذ والأبواب ، وفمها الذي لا تبتلّ داخله الكلمات .
اختلط هواء الغرفة بغبار بيوت ( العظم ) الخانق ، ومرّ الوقت مترنّحاً مخنوقاً وأنا متورطة بالإيماءات الباردة المتتالية ..
يا ربّ الكلمات دعها تصمت !!
جاهدتُ طوال الوقت لأتعلّق بأهداب عينيها وهي تتكلم ، وغالبت رغبة عميقة لأعدّ أثاث الغرفة ، الأقلام على المكاتب ، شرائح الستارة الخشبية – وسيلتي المعتادة للهروب من الأحاديث الباهتة .
انتهتْ من ( التلييص ) والسباكة والدهان ووصلتْ إلى الديكورات . وفي لحظة شاء الله أن تضلّ قافلة الضجر طريقها ، ذكرتْ الـجبس الأخضرالمذهّب .
كان للكلمة وقع مباغت ... يشبه انغراز كعب حذائي الدقيق بين صفائح معدنية طولية مثبّتة أمام باب البنك الزجاجي قبل أيام .
يالله !! لم يكن ينقصني في هذه الظهيرة الرمادية إلا أمرٌ يعتمد على ذاكرتي المعطوبة !!
جبس أخضر مذهّب ، وبدأت الذاكرة تجرش أعوامها بتثاقل . غابت نوال من أمامي ، وطغى على صوتها الحادّ ضجيج النّساء في مجلس الحريم . وقفتُ ببابه طفلة صغيرة تعلّقت عيناها بالسقف . وأدرك تماماً أني كنتُ صغيرة حينها لأن مقبض الباب دخل في فتحة بين أزارير بلوزتي الخلفية وقطع أحدها عندما تحركت .
لا أذكر الوجوه ، ولا الأسماء ، ولا الأصوات ، ولا أعلم لمَ كنتُ في ذلك المكان ومع من . كل ما اختزنته الذاكرة سقفٌ مزيّن بالجبس المحفور بأشكال هندسية في وسطه ، وفروعٌ مورقة على الحوافّ . كان اللون الأخضر مبتذلٌ جداً ، ولم يوحِ بطيبة الخضرة ولا بدفئها . وكان فوضوياً يخرج من حدود الأغصان ، ويقف قبل أن يصل لزوايا الأوراق . وبلغت البهرجة ذروتها بذلك التذهيب الصارخ اللجوج ..
كان ذلك السقف مزركشاً بشكلٍ مفرط ، وحدّقت طويلاً في تلك الخيانة العلنية للذوق حتّى نسيتُ ما عداها ..
ومنذ الظهيرة وأنا في انتظار ما لا يأتي من الوجوه والأصوات والأسماء ..


.


الثلاثاء، 19 فبراير 2008

إلى هاويةٍ أقرب ..



[ لمن يتأثر : من ينازع وحوشاً يجب أن ينتبه جيّداً ألا يتحوّل إلى وحش . فحين تطيل النظر إلى الهاوية ،
تنظر الهاوية إليك أيضاً وتنفذ فيك . ]


• نيتشه


النساء عندما يحاولن تدوير المربّع في دائرة الحياة ، يمتن . فيرجينيا وولف ، لورا براون ، كلاريسا فوجن وتلك الساعات * الثقيلة الداكنة الغارقة في سنين من الخيبة والضياع الروحي والرغبات المحرّمة . الساعات التي تزرع فيهن رغبة عارمة بالخلاص فيحاولن إيقاف نبض الحياة ، وعندها ينجحن بالموت المبلل غرقاً ، أو يهربن منه لموتٍ آخر أشدّ جفافاً ..


" قالت السيدة دالاوي بأنها ستشتري الأزهار بنفسها "
العبارة التي كتبتها فيرجينيا ، وقرأتها لورا ، وعاشتها كلاريسا
. الخيط الرفيع الذي ربط بين حيوات ثلاث نساء في أزمنة مختلفة . خيطٌ رفيع منسولٍ من قلقٍ وسخط ٍ وكآبة ..


المسافة الأصغر للّحظة الأقصر حين تصل الحركة إلى مستوى الثبات . ثبات المقلة في محجرها ، سكون القلب بعد آخر نبضة ، ارتخاء الذراعين المتشنجين . المسافة الأصغر ، واللّحظة الأقرب كانت هاجس فيرجينيا التي آمنت بأنه " يجب أن يموت أحدهم حتى يعيش الآخرون أكثر " . الثبات الذي سعت إليه مرتين وفشلت قبل أن تحصل عليه بجدارة في المرّة الثالثة . كانت الهاوية تنظر إليها بنفاذ تام ، والموت أعطاها وثيقة خلاص بنفسٍ لاهث ..
مع لورا وكلاريسا كانت لحظات الثبات قصيرة ومتتالية . ومن ثباتٍ إلى ثبات كانت الحركة المشدودة إلى خيط الزمان الذي ربطها من بدايتها إلى نهايتها . ثباتهن تأخر كثيراً وكانتا أقل جرأة من أن يسعين إليه . الرغبة الحقيقية بالموت تحتاج لقلب متعبٍ جداً ، وعقلٍ يسمع أصواتاً لا يعرفها ..


* فيلم The Hours

الاثنين، 7 يناير 2008

سبعينية ..


----




أم راشد ، جملة منصّـصة لا تفتح أقواسها لباقي الكلام . رأيتها بعد غياب خمسة وعشرين عاماً ، وكانت لها نفس العيـنين ، اليدين  ، )  شيلة المنيخل ) ، والخاتمين ..


للخاتمين نفس الفص الفيروزي المقصوص بشكلين مختلفين . تلبس المربع في بنصر اليد اليمنى ، والدائري في بنصر اليسرى ، كمشيئة إلهية لا تقبل التبديل .سألتها لمّ الفيروز تحديداً ؟ وبهذا التصميم الأكثر من قديم ؟


لم يكن لديها الاعتقاد الشامي بأنه طارد للعين وصادّ للحسد ، لكن وبكل بساطة لأن " اللي ما تلبس خاتم شردزي* ، مهيب مرة " . خطر في بالي أنّها لبسـتهما طوال عمرها لتـقول لي هذه الجملة ، فالــ " السلاح الذي تحتاجه مـرّة واحدة ، عليك أن تحمله العمر كـلّه *" .


عندما تزفر بحرارةٍ وتحوقل ، كسانيةٍ ترسل عويلاً حادَاّ مباغتاً ، أشعر أنّ روحاً قريبة قد سبقتها إلى السماء وأنّت سنونها السبعون لذلك .. أسلمتُ لها بصري وسمعي منتظرة أن تقطع صمتها الذي طال . صمتُها الذي أنطقته الأكزيما ،..


- ورا ما قريتي عليها ؟ تنظر إلى يد "مجودي " .


- هذي أكزيما يا خالة من الولادة . عندي لها كريمات .. مرّات تزيد ومرّات تخف  .


- هذي حزاة * وأنا خالتس . روحي لشيخ يـِـبرم عليها خيط بثلاث عقد ، ويقرأ عليها وتبرا إن شاء الله ..


خيطٌ منسولٌ من البركة ، شيخٌ ينفث لينعقد الخيط التفافاتٍ من نور ، منقوع الزعفران - الرواء المكتنز بالطهر .. مشهد يغري بالتلصص ..


* شردزي : شرقي


* رسول حمزاتوف