يقف خالصا من الدنيا بثبات قد ينقلب إلى تصلّب عندما يشتدّ عصب الغناء ، حاملاً على كتفيه النحيلين سماء من وجع العوز والتيه وكرامة شعبية مهدورة ،
ويأساً من نهاية محمودة مع الخبيث الذي انطوى تحت ضلوعه وغيّبه في خمسينه .
باسقاً نحو الأعلى ، نحو الله حين يقترب من المجاذيب الشاطحين .. بشَعره الذي يماثله في تمرّده وارتمائه في وجه الريح ، وبعودين من ثورة ومرارة يحكي
تاريخ رجل متيّم بالحرية على طبلته ، رجلٍ يخشى التيبّس الروحي واللجم ، رجلٍ يختم أيام مرضه المتلهف لخطفه بـ " ربِ خذني بما شئت ، لكن رحماك ..
أبعد عنّي الاختناق "
يمتدّ الصوت الهائل من حنجرته ليغمرك ويجذبك ويتركك أسيراً لسطوة الغيواني البسيط الهيئة والمخلوق من جمر السنين المغربية اللاهبة . ويترك في روحك
ولعاً بمفرداته الموشومة بـ الرحيل والحدّة : " اسم أبي رحال. اسم جدي رحال. اسم أمي حادة. الرحيل، الحدود، الحدة، أسماء تعني العنف والألم وعدم الاستقرار،
هكذا كانت طفولتي رحيلا بين الدار البيضاء والقرية " . تلك المفردات المبثوثة في روح أغاني شعبية وصوفية ونغم كناوي وحضرة عيسوية وأنغام العيطة.
http://www.youtube.com/watch?v=VWvcZxwJCiY&feature=player_embedded
هذا الصوت المفرط في إنسانيته يتناسل ...
مرتديا ذات الجسد المحموم الذي يشتعل بألق عندما يغنّي ،
واقفاً الوقفة السهمية المارقة في خاصرة الفنّ العابث ، وبسحنته الصحراوية المدقعة وصعلكته التي تهذّبت قليلاً ..
لكن ليس كل باطما العربي !
نكهة رشيد باطما – الأخ الأصغر – أخفّ وأقل تركيزاً رغم أنّه يقف وسط حوض نعناع العربي * ، وحنجرته المحتجّة على ميلان الأفق أخفت نبرة .
* ألبوم حوض النعناع : عمر السيد - رشيد باطما - حميد باطما وشفاع عبد الكريم .