نافذة معتمة
جلستْ على عجل ، وزينتها المرتبكة تدل على أنها لم تنظر لنفسها مرتين في المرآة قبل خروجها . لم تنتظر ترحيبي بها وبادرتْ بالحديث :
تدرك لمَ اتصلتُ بك .. حالته تسوء كثيراً ..
لم يغادر غرفة نومنا منذ أيام . الغرفة دائماً معتمة لولا ذلك اللوح الدقيق من النور الممتد عبر انفراج بسيط بين قطعتي الستارة، والأبواب دائماً مغلقة في وجه الهواء الوقح الذي يخنقه حسب تعبيره ..
تتساقط الأيام تباعاً من الرزنامة ولا ينتبه لها . مؤخراً انقطع عن العمل ، وعندما عاتبته بشدّة قال :
أخرج مبكراً ويخرج الناس لأعمالهم ، لمدارسهم ، لمواعيدهم ولا يأتي الصباح . أبقى هناك حتّى يعودوا ، ولا يأتي الصباح .. لم يعد يأتي الصباح يا سمر.. لم يعد يأتي الصباح ..
في آخر مرّة خرجنا معاً تعلّقت عيناه بالنوافذ . اصطدم بالناس أكثر من مرة دون أن يخفض بصره ... وعندما أجبرته على الجلوس والنظر إلي ضحك بعصبية وهو يقول : عندما تفيض البيوت بالحكايات فإنها تتدلى من النوافذ .. النوافذ عيون يا سمر ، النوافذ عيون ..
وبعدها رفض الخروج تماماً . صار يكره القصص المجانية التي يرويها المتسكعون في الشوارع ، ولا تبهره العروض العلنية كما فهمت منه .
يختبئ عن الناس وعنّي . يتعرّى ويندس تحت اللحاف ليكون جسده خالصاً من كل ذكرى كما يعتقد . وعندما حاولتٌ أن أجبره على ارتداء بيجامته ذات يوم ، صرخ بي :
انظري إلى بنطالكِ .. إلى ذلك البروز الدائري في ساقه ... إنه يخبر العالم كلّه أنكِ تثنين ركبتكِ اليمنى بطريقة حادة عندما تجلسين . تثنينها وتجلسين عليها . الملابس فاضحة يا سمر ، الملابس فاضحة ..
هل تدري ماذا يفعل في هذه اللحظة ؟
عدتُ من العمل ووجدته عارياً في الحمام وقدّ رشّ حاوية القمامة الإستيل بالماء وجلس أمامها بصمت ينتظر جفافها . وعندما سألته عن الذي يفعله نظر إليّ بحزن وقال :
لمَ غسلتِ حاوية القمامة ؟؟ كان على غطائها البارحة وجه مألوفٌ تحدّثت إليه طويلاً واستمع لي بهدوء ..
لم يبتعد عن حاوية القمامة لساعات بانتظار ذلك الوجه الذي يعرفه ..
.
يبدو أنه مكانكِ الأكثر فداحةً، هواجسُ المتفردين، المتوحدين، كم غريباً يعيشُ فيكِ يا بنت؟ كم هاجساً تختزنينه في أرشيف الذاكرة، وفي مواسم الأمطار، تمطرين كلماتٍ مبللة بالمعنى.
ردحذفيا للعنةِ الأشياء، يختفي الوجه المألوف من على حاوية القمامة، ولا شئ يفضحنا كالملابس.
أنتي كائن مبدع...
ردحذفكيف التقطتي هذه اللحظة / الحدث ..
جميل جميل جميل والله
مبروك اللوك الجديد
يليق بك كثيرا كثيرا يا فنانة
مرحباً حارس الهاوية ،
ردحذفهذا الغارق في هواجسه الذاتية ، والذي انتقلت عدوى قلق روحه إليّ ، شغلني كثيراً .
وأعتقد أنّي لو فكرت في كتابة عمل روائي في يومٍ من الأيام سيكون هو ملهمي ..
كل من كتبت عنهم لا يزالون يتلحفون بألحفتي ، وينتعلون أحذيتي كل صباح ..
للأبيض ،
ردحذفإن كان هناك إبداعُ ما ، فهو يتنامى بتحفيزكم .
عودتك هي الأجمل ...
يبارك بعمرك .. من ذوقك والله .
من بداية متابعتي لهذا المدونة (الجمال) و لفت نظري كثيرا العنوان الموغل في العمق "لا ذاكرة للماء" و أردد أنك كاتبة بحق .. بحق
ردحذفأرجوك لا تتوقفي عن الكتابة أي كتابة في هذه المدونة الجميلة جدا
لا تعتمي المدونة
اعجاب شديد
هؤلاء المتمردون على كل شي ءحولهم،
ردحذفالخارجون عن حدود المألوف و المعقول..
هم وحدهم من يفهمون الحياة على حقيقتها..
هم قادرون أكثر من غيرهم على إدراك كل الحقائق الخفية..
التي تعبر بنا كنسمات شفافة، لا نلتفت لها..!
" عندما تفيض البيوت بالحكايات فإنها تتدلى من النوافذ .. النوافذ عيون يا سمر ، النوافذ عيون .."
كم كان صادقا في هذا.!
Malek Ahmad
ردحذفزيارة الأرواح التي لم أعرفها مسبقاً تترك أثراً بالغاً في نفسي . شعورٌ غامر أحمله معي حين أغادر هذا العالم الإفتراضي .
أفشل كثيراً عندما يتعلّق الأمر بالتعبير عن امتناني ، وأتحوّل لأداة كتابية شديدة الرسمية :)
كيف تعتم المدونة وهناك من يشعل مصابيح الحياة فيها عندما أغيب !!
شكراً لك ..
أرجوحة ..
ردحذفيعرف هؤلاء المتمردون جوانباً من الحياة تخفى علينا .
مزارك جميل ويستحق المتابعة فعلاً .
كم أغبط كاريزما لأنكم تعودون من أجلها .
تحية عابقة ..
me
ردحذفبسمة دائمة بإذن الله ..
استثنائي و سماوي كل ما هنا .
ردحذفلا أدري ما الذي دفعني لكتابة التعليق.؟!
ردحذفوقد كنت أحب التجوال والمرور من غير توقيع...
ربما لأني أردت عن أدافع عن هذا الرجل...
أضنه مريضا ... يحتاج إلى العلاج!
أو قد لا يكون...
ربما هو عقلي من يعتقد..
فقد اعتاد تحليل تصرفات مثل هؤلاء البشر...
جميلة جدا
تقبلي مروري الأول
اسم الله عليا وحواليا
ردحذفكاريزما انا مو طفشانة بس مدري شو بيا
متى يسوقون الحريم ميبي هذا حل :( ميبي خرابيط خرابيط
تاء ، شهادة أعتزّ بها من حرفٍ قالوا عن صوته ، كأن الأنامل تجسّ وسادة من قطن ..
ردحذفزمن ، يشرفني هذا التواجد ويعنيني كثيراً ..
ردحذفهذا الرجل قوّي جداً لأنه تمكن منّي وجعلني أرضخ للرغبة في كتابته ..
تحية عطرة .
me
ردحذفسواء كان حل أو طلعت خرابيط ، المهم إنك سالمة وبخير ..
يااااه ياهذا الوجع قد تكون حاوية القمامة أكرم من هذه الدنيا بمن فيها
ردحذفكاري وللوجع مواسم بنكهة الكاري
الوطن هنا !!
ردحذفالألفة تنشأ بيننا وبين أكثر الأشياء دونية ، عندما نراها بمنظور مختلف .
سعيدة جداً بطلّتك يا وطن ..
لا أعلم كيف قادتني قدماي هنا,
ردحذفكل ما أعرفه بأني أحببت النص
كم هي فاضحه هي ملابسنا تشعرنا بالعري
أبحث عن حكاياتي بين تلك القطع التي أرتديها ’ تبعثرت ملامحي على نسيجها
لم تحت الوجوه تثيرني ,
أعتصم.
شكراً لنص يا أنتِ
الوجوه المفاجئة في أكثر الأماكن غرابة تكون قريبة جدا، فقدها يعني بشكل رئيسي فقد القرب المفاجئ، الرتابة الدائمة جنون، الحاوية (نـــافــذة).
ردحذفأنتِ متفردة
هذه القصة يا كاري من أجمل ما قرأت..جميل ، هكذا تتحول بعض الوجوه إلى لصوص ينتشرون في كل مكان!
ردحذف