منذ أن بدأ وقع خطى الفتاة الخاصةّ جداً يتعاظم داخله ، بدأت تسقط شاماته .
أرهقه انتماؤه إليها ودورانه في فلكها المحموم. وشغله هاجس فقد خدر الظهيرة الكسولة معها ، انتباهة ليلة الخميس على صوتها ، التعب الذي تسحبه من عظامه ، مجرى الشاهقين الذين دفن فيهما وجعه وخيباته وحنينه ، وداعتها حين تأتيه بقصصها المخفية ، وجموحها حين يتعاظم الشبق في مفارق جسدها .
في المرّة الأولى رآها " دال " وقد التقط كرز شفتيها رجل مثقل النظرات بشغف . هدر نبض غاضب في عروقه وخبط الحائط الذي يستند عليه بقبضته بعنف فسقطت أولى شاماته والتي أخذت معها قسطاً وافراً من طمأنينته .
في المرة التالية ، كان الرجل المثقل النظرات يمسّد ظهرها المستكين ليشتعل الكلام ، والباسق في حوضه يعلو ويعلو .. لم يقوَ " دال " على اختلاس النظر مدة أطول فأغمض عينيه وهزّ رأسه بألم حارق .. وعندها سقطت الشامة الشديدة السواد من جبينه نحو القلق.
في آخر مرّة ، أصبحت ْجسداً منذوراً للمتعة . اشتعلت نار من أدناها لأدنى الرجل المنتشي بنظراته المثقلة ، وكانت تلك اللحظة التي اختنق فيها " دال " بحنقه وغيرته وأحس بشامته الأكبر تهوي من عنقه وهوى خلفها .
ظلّت تلك الخيالات الفاسدة تربك لحظاتهما وتعكر صفوهما. وظلّ " دال " يتحسس شاماته باستمرار خوفاً من أن تتحقق رؤاه ويفقد راحة باله بالكامل . وحين يشرد بصرها بعيداً تفترسه تساؤلات مرّة ؛ أتكون قد شاهدت صورتها مع رجل آخر في عينيه وراق لها الأمر ؟ أتكون قد استسهلت خيانته لأن الفكرة تجذرت في رأسه بالفعل وتفرّعت رؤىً مفزعة ؟ أتجرؤ على طعن قلبه وتركه يذوي ؟؟ هل تفعلها حقّاً ؟؟ ... درّج هذه الهواجس في ذهنه ملاحقاً أطيافها حتّى تصلّب جسده وانزلق بالكامل في عتمة الهوس . أيقن في لحظات هدوئه أنّه لابد أن يشبّع ذاكرته بالكثير من تفاصيلها المبهجة لتستقرّ في العمق ، ويطفو ما عداها حتّى ينزاح مع الأيام .
حين ذهب إليها على غير موعد ليخبرها أنه بدأ يتحرر بصدق من خيالاته المريضة ، وأنّه يحبها كثيراً .. حاملاً إليها قلادة بفص أزرق توقفت عندها طويلاً في يومٍ ما ، وجد ظلاً ثالثاً متوثب الرغبة يقاسمهما الغرفة . ذهل بشدة من الآخر الذي دخل جنته بجسارة وشاركه خاصتّه .. لكن الأمر الذي أذهله أكثر ، أنّه ابتسم ببرود تام وغادر المنزل بشاماته الثلاث .
.