أثار دخوله العاصف إلى حياتها رهجاً لم يسكن . لم يكن الحديث معه شيئاً يشبه إلصاق طرفي شريط الكاسيت المقطوع بـ (المناكير) ، أو التعليقات اللاذعة التي ظلت تحملها على جبيرة ذراعها المشعور شهراً ونصف ، أو الكتابة في (أوتوجرافات) طالبات ثالث متوسط في نهاية العام . بل كان متعة غامرة يصعب الانفلات منها .
وعذوبة ابتسامته لم تكن خفيفة النكهة كابتسامات الأتراك الذين سارت بينهم بالأمس من شارع الاستقلال إلى ميدان تقسيم ..
صعد بها شوقها إلى الطابق الثاني . عدلت زينتها في مرآة المصعد الكبيرة وابتسمت برضا . خرجت من المصعد وخطت باتجاه غرفة في نهاية الممر وطرقت بابها بخفّة . فتح لها الباب نصف فتحة ووقف خلفه مطلاً برأسه الذي يعلو قامتها . همس لها بـ مرحبا مرتخية النبرات ، وأشار لها بيده اليمنى للدخول . في جزء من الثانية نزل بصرها من وجهه إلى المستطيل الضيق الذي يسمح لها الباب الموارب بمشاهدته من الغرفة .
تبعثرت أغراضه بفوضوية على تسريحة خشبية داكنة لصيقة بالجدار . تأملتها لبرهة قصيرة وفجأة تضببت عيناها ، وزاغت نظراتها . صارت فرشاة الشعر المقلوبة على ظهرها ، وأعواد الأذان المنثورة على تسريحته شيئاً واحداً بنتوءات مكوّرة الرأس، وصارت خيوط الشمس عبر النافذة نصف المفتوحة بجانب التسريحة ، أعواداً من القشّ تناثرت في الغرفة ..
كل ذلك رأته في لحظة . اللحظة التي فزعت من الدخول معها إلى الغرفة المسكونة بالرغبة. اللحظة التي أثقل جرأتها قلقٌ متكوّر ، اللحظة التي جعلتها تستدير دون أن تنظر إلى عينيه اللتين كانتا تتبعان نظراتها المتلصصة وتعود بأنفاس لاهثة إلى الغرفة 101 ..